في الوقت ذاك، غدا الدمُ في جسمه تَعِباً, تخدرت أطرافه, ابيضّ محيطُه, الترابُ مجففاً تهاطل عليه, كتم الغبارُ أنفاسَه, إذ أجال طرفَه نحو الأعلى تهاوى الرخام عليه، في خفّةٍ نحا رأسه جانباً
( آآآآخ , عصّبَ رأسَه بيديه وهو يفتح عينه شيئاً فشيئاً، ملاحظاً ارتطامَ رأسِه بزاوية السرير)
فَزِعةً ناولتْه زوجتُه كأسَ الماء, التقط أنفاسه في لحظة. وفيما أعاد القدح إليها قال: لا تؤاخذيني يا قلبي، لا يتركني وشأني هذا المنامُ. أخلى السريرَ في غضبٍ، متجهاً إلى غرفة الأطفال، همَّ في إيقاظهم ممازحاً إياهم فيما أعدّت الأمُّ مائدة الإفطار لهم. تسلل إلى الصالون.. لمحها ـ النافذةَ، مشرعةً قال صارخاً: أوَفتحتم النافذة هذه مرة أخرى؟ سوف تمتلئ أنوفنا برائحة أدوية المشفى هذا.
فيما ينزل الدرجَ المؤدي إلى بيته ماضياً إلى حيث العمل، يسارع في تكميم أنفه بيده ملتفتاً جهة المشفى، وإذا ما يصل المدرسة، حيث يعلِّمُ فيها، متخللاً ضوضاءَ التلامذة وشراراتِ الحياة المتطايرةَ عن عيونهم كان يسهو شيئاً فشيئاً عن منامه.
الليلُ كلما أسدل ثوبه على سكون السماء مَكَّنَ سهامَه في أذنيه. توسّدَ بخوفٍ لامرئيّ المخدةَ بينما تقرأ زوجته جواره بضعَ كلمات. هكذا كان يُمضي حياته لكن أيضاً لم يكُ في وسعه فصل نفسه عن الليل، وأبداً صُوّرَ له قبراً ضيقاً.
في الصبيحة تلك حيث رائحةُ ندى الأزهار نقّتْ زقزقةَ العصافير، كان السرير مُرخياً نفسَه في الغرفة، احتضنت الأنفاسُ بعضها البعض، بدهشة فتح عينيه ناظراً حوله، بفرحةٍ طريةٍ انسحبَ صامتاً بنفسه عن الفراش وعيناه تحملقان فيها. مطمئنَّ القلبِ سار جيئةً وذهاباً داخل البيت، فتح على غرفة الأطفال بابَها، وفيما ساحبٌ رأسَه نثرَ فيها رائحةَ نظراته وصفقَ البابَ مدندناً أغنيةً. وبضحكةٍ صبورةٍ دنا من النافذة، وإذا ما انجلى الخارجُ له أتت عينُه على بوابة المشفى، حيث جثةٌ على نقّالةٍ، وثمة من يُودِعونها سيارةً، موضوعةٌ فيها رخامةُ القبر وشاهدتُه أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*شاعر وقاص كردي, من سوريا. يكتب بالكردية والعربية, وهذه القصة من مجموعته القصصية(Qolinc) تصدر قريباً.
منقول