عادل كامل
إذا كان الشعر، مهماً عرّف، يخفي أسراره فأن الشاعر الكردي شيرك وبيكه س، هو الأخر، لا يقول ـ في الشعر ـ ألا الذي يحمل نبض الشعر الخفي. أنه يحفر عميقاً في ذاكرة الجبل، والينابيع، والعشق، فكردستان قصيدة كونتها الموسيقي والشفافيات والمصائر و.. قصيدة تحاور العالم، بما تمتلك من أزمنة، وخيال، أطياف تجتاز العثرات..
بيكه س، ولد في مدينة السليمانية ـ العراق عام 1940.. وهو أبن الشاعر الكردي الوطني المعروف، فائق بيكه س.1905ــ 1948 كتب الشعر وهو في السابعة عشرة من عمره.. وأصدر أول مجموعاته الشعرية عام 1968 في بغداد بعنوان (ضياء القصائد) عام 1968. ونشر مع عدد من الشعراء والأدباء الكرد في بغداد البيان الأول المعروف باسم بيان (روانكه) أي (بيان المرصد).. وكان يتبني الحداثة الشعرية والأدبية.. نشر أول مسرحية شعرية عام 1971 باسم (كاوه الحداد).. وقد صدرت له أكثر من 18 مجموعة شعرية باللغة الكردية وترجمت له الي اللغة العربية واللغات الأخري مجاميع ومختارات.. كما ترجم الي الكردية بعض الآثار العالمية..
وإذا كان الشاعر يترأس الآن دار سردم للطباعة والنشر ـ التي تأسست عام 1998 ـ وسردم تعني العصر ـ فأنه لا يفرق بين الشعر والمستحيلات.. أنهما ندان، الشعر يستنطق أسرار العالم، والمستحيلات تفتح فجوات للسفر في المجهول: كلاهما لا شريك له ألا الموت الذي لا يموت: أنه هذا البوح، هذا الذي عنده يكون الغائب حاضراً..
(الزمان) مع شيركو، في هذا الحوار:
û يصعب تعريف الشعر، خارج الكلمات.. فهل يخترع الشاعر خلاصه في الشعر، أم يرجعنا الشعر، في عصر ما بعد الحداثة، نح والمجهول؟
ــ الشعر دائماً هو الحلم الذي يسألْ، ولا نهاية لأسئلته! فتعريف الشعر هو كتعريف السر المجهول أو صنع إطار لكي نضع فيه الضوء! لذا فلا إطار لذلك التعريف أبداً! واللغة هي الأنثي التي نتزوجها عن حب ومن ثم يأتي الإنجاب والحياة والحركة. والتخيل الشعري هو القوة السحرية التي تجعل الكلمة تطير. لا خلاص للشاعر من الشعر لأن الخلاص هنا يعني الموت أو الصمت. واللا خلاص يعني البقاء في رواية الشعر. فما دامت هناك النار الأبدية للقلق وعدم القناعة والظمأ الذي في الروح. وهكذا كان منذ أن وجد الشعر وهو إن سر بقائه يكمن في احتراقه الدائم!
û الصمت والكلام، كلاهما يحملان مغزي الوثبات والأمل.. كيف ينظر شيرك وبيكه س الي الشعر، في عصر الأشياء؟
ــ أن الأشياءْ كانت موجودة في كل العصور. ولكن في عصرنا بدأت الأشياءْ تهيمن علي الحياة والطبيعة والعلاقات الاجتماعية بسطوة لم يسبق لها مثيل في كل العصور. وبدأت المساحات الروحية بالتقلص وأنكمش الحب في زوايا الخوف وعدم الثقة وكأنه فقد وجوده. ومن الجانب الأخر تدفق التزييف والتزوير وكأنه هو الأصل. حيث أختلط وجه الله بالوجوه الشيطانية. وعمل الشعر هو أن يحافظ علي إشراقة وجه الحقيقة ويمسك بالنور الذي يخرج من الكلمات الطبيعة والجميلة لكي يكتب به. ولكن السؤال الأهمْ هنا: أي شعر نقصده في هذا الزمن؟! وآنا أقول، أن يجمع في كينونة، أو بتعبير آخر أن يذوب فيه الجمال والحقيقة كما نراها، فالقصيدة هي المرأة التي تبهرنا بجمالها وحقيقة إنسانيتها ووثبات أملها ويأسها أو إن الشعر الذي أقصده. هو الماء الذي لا نرتوي منه أبداً.
û عشت في المنفي طويلاً: المنفي داخل الوطن، وفي العالم.. فهل كان الشعر شهادة.. أم.. أحد أشكال استعادة أزمنة النذور؟
ــ كلاهما!، المنفي في العالم كان امتداداً لمنفي الوطن حيث افتقدنا في كليهما ذلك الوهج الذي يشع منه الأمل والمستقبل واللقاءْ. فالغربة هي نوع من الضياع حيث عالمها بلا عنوان وطرق تسلكها لأول مرة وإنك لا تعلم الي اين تمتد.. غريب المكان وغريب الزمان هكذا وكأنك في الحلم تمشي ولكن علي حافات ضيقة وخطرة ودون أن تسقط في هاوية الموت برغم انك نائم وتمشي، الي المنافي الأخري حيث تكتب عبر الذكريات أمام تلك المرايا التي تكسرت وأحدة تل والأخري.. ولكنك برغم تلك الشظايا تري نفسك فيها ولكن بأبعاد مختلفة وتري الحزن، الماضي، العلاقات التي ذهبت، بوجوه متكسرة العيون ليست في مكانها، والحلم متناثر وغير قابل للعودة مرة أخري، والرؤيا كأنها ريش طائر والريح تلعب بها! نعم الشعر شهادة كأي شهادة أخري في الحياة. حيث أن اللغة في أصدق خلجانها تتكلم وكذلك تشارك في عملية التغيير المستمر سواءً أكانت في بنية اللغة وجودها وخلقها بصورة مغايرة أخري، أم خارج نفسها حين تصير صوتاً بجانب العذابات الإنسانية في كل مكان. الشعر لا يكتمل ألا بإنسانيته. شهادة ليست من أجل الشهادة فقط وإنما بدافع من الحب الإنساني وكأنك مسؤول عن قتل فراشة أو وردة في آخر الدنيا. وكذلك لكل حب نذور!،