بعد المحن والسقطات والكوارث التي انتابت العالم العربي على مدى ثلاثين سنة ماضية إذ لم تعد نسبة كبيرة من المواطنين العرب في الوطن الكبير تثق بقرارات القمة الموقعة من قادة الأمة ولم يعد لقسم كبير من أمة العرب أمل في التغيير ما دام النهج الذي سارت عليه القمم الماضية هو نفسه والأسلوب والرؤيا والطريقة والخلافات نفسها باقية والغاية من القمة هي رفع العتب فقط تجاه أمة العرب،
وما دام وزراء الخارجية العرب يضعون القرارات سلفا بالتوافق بينهم وفقا لتعليمات القادة ودون المساس بالخطوط الحمراء على رؤيا واعتقاد بعض القادة المرتبطة بمصالح مختلفة ومتشابكة مع الغرب والشرق فتبقى الاجتماعات والجهود المبذولة مثل تفسير الماء بعد الجهد بالماء،
ولذلك هناك نسبة كبيرة من مواطني بلاد العرب لا يعلقون آمالا على القرارات التي يعاد سردها على القادة خلال يومين يتخللهما الاستقبال واللقاء والوداع والمؤتمرات الصحفية ومن ثم كل قائد يطير إلى غايته وكل منهم قدم واجبه الشكلي ويا دار ما دخلك شر،
بقدر ما يتطلع هؤلاء إلى حدوث بحث ونقاش حقيقي ومستفيض بين القادة ومعاونيهم حول نكبات ومشاكل الأمة العربية المتعددة وبحثها على طاولة الاجتماع بشكل مباشر بعيدا عن القرارات المعدة سلفا والتي ربما تحوي قرارات جيدة ولكن لا تطبق فعليا بل تركن للزمن على رفوف الجامعة العربية وفي أرشيف الدولة المضيفة للقمة,
والبحث والنقاش الذي من المفروض أن يخرق آذان العرب جميعا هو حول حال الأمة العربية بوضعها الراهن الضعيف المتقهقر الذي لا يسر عدو ولا صديق،
والمطلوب بكل أمانة هو حضورا ذهنيا وقلبيا صادقا للقادة في مؤتمر القمة لبحث كبوات هذه الأمة والأسباب التي أوصلت الأمة لهذا الضعف والهوان حتى لو استمرت القمة أياما فالأيام تمر والزمن يضيع بدون فائدة ترجى فاستثمروا الوقت،
فليكن مؤتمرا جادا بين فترة زمنية وأخرى مع مزيد من الوقت لكي يبحث في كل التفاصيل التي أدت إلى تراجع وخفوت صوت الأمة في المجتمع الدولي والمنابر الدولية, بحيث يبدأه القادة الزعماء بثلاثة أيام على الأقل يتفقون على الخطوط العريضة ويكمل بعدهم لأيام أخرى رؤساء الوزارات أو وزراء الخارجية أو مفوضيهم لإكمال ما بدأه القادة ومن ثم البدء بتنفيذ الخطوات المتفق عليها فعليا انسجاما مع قول رب العالمين في محكم تنزيله (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)3/ سورة الصف،
ولا حاجة لإصدار قرارات سريعة فالطبيب الماهر لا يصف التشخيص و الدواء لعلة مستفحلة قبل إجراء صور الأشعة اللازمة وإجراء كافة التحاليل والبحث في المسببات وتاريخ العائلة المرضي والالتفات إلى مؤثرات البيئة المحيطة،
وأعتقد أن علة الوطن العربي ونكساته والمسببات واضحة للعيان والقادة يحفظونها عن ظهر قلب ويعرفون نقاط الضعف ويعرفون نقاط القوة ويعرفون إشارة الطريق المؤدية لعزة الأمة واسترجاع كرامتها, وإبداء الرأي حول أعمال القمة نابع من الحرص واللهفة لأجل التحفيز والتشجيع للأخذ بأسباب نصر الأمة،
والعبرة ليست بعقد مؤتمر القمة كل عام وفي كل مرة يعقد على أراضي دولة عربية أخرى على طريقة شيوخ القبائل العربية التي تعطي الشيخة للشيخ الذي ينعقد الاجتماع في ديرته ومضاربه في كل حول،
فلتعقد القمة في أي مكان في العالم العربي, ولكن المهم لدى الجماهير العربية هو ما تتمخض عنه القمة من خطوات فعلية لرد اعتبار للكرامة العربية و لعزة الأمة وتفعيل قوتها والقضاء على أسباب وهنها وإنقاذ شعوب عربية تعاني من ظلم الاحتلال وقهره وشعوب عربية أخرى تعاني من الانشقاق ومن الفقر والمرض،
وأيضا تحمي ثروات الأمة من الضياع ونهب الغريب لها وإعادة العلاقات الطبيعية العربية العربية والتكامل الاقتصادي والتكامل السياسي في بحث قضايا الأمة, والدفاع عن المصالح العربية وجعلها مقدمة على أي مصلحة أخرى لغير العرب والمسلمين من الطامعين في السيطرة على المنطقة العربية بأكملها ونهب ثرواتها وخيراتها وجعل العربي عبدا على أرض وطنه،
أفيقوا يا أهل القمة وآمل أن تكونوا من أهل القمة وتنبهوا لما يحاك من خطط لهذه الأمة لاستعمارها بكل الوسائل المتاحة لأعدائها عسكريا واقتصاديا وألكترونيا وبالوكالة لإرجاعها لعصر القرون الماضية التي اتصفت بالضعف والهزل،
فالأولى أن تكونوا قادة لأمة قوية عزيزة مهابة الجانب لا قادة على أمة ضعيفة تهالكت عليها الأمم واستعبدتها, فالأمر بيدكم لتأخذوا بأسباب القوة ورفعة هذه الأمة, والترفع عن الخلافات الجانبية ومنع تأثير الرؤيا الأجنبية على قراراتكم,
فالأمانة في أعناقكم أنقذوا أمتكم من الهوان وتكالب الأمم على خيراتها وانتهاك حرماتها, فالأمة يزيد تعدادها وتتعاقب الأجيال بسرعة ودون شعور بالوقت أحيانا وتقل خيراتها مع الزمن ويزيد الطلب والمنافسة وتزيد الحاجة فماذا أعددتم لمستقبل الأجيال القادمة والمستقبل بيد الله ولكن عليكم الإعداد والتهيئة اللازمة،
فاجعلوا من هذا المؤتمر صفحة جديدة تبحثوا فيها قضايا الأمة بجدية ولتكون أولى خطواتكم التوافق والوحدة الفكرية والسياسية لمستقبل العالم العربي الكبير,
وادعموا العلوم المتقدمة وهيئوا الأسباب والفرص للنوابغ والمتفوقين من العالم العربي فطوروا التكنولوجيا العسكرية والاقتصادية المتقدمة ووفروا العدالة الاجتماعية لشعوبكم لأنها جميعا تشكل الأساس لبناء الدول المتقدمة ذات المهابة والقوة , والإعداد السليم واجب عليكم من أجل بناء صرح عظيم،
ولن يتحقق ذلك بمؤتمر واحد أو بسرعة مذهلة ولكن المهم البداية الصحيحة والسليمة والتوافق عليها واستمرارها ورفدها ودعمها بكل ما يلزم من مقومات النجاح لبلوغ الغاية والهدف من مؤتمرات القمة العربية المتعاقبة،
ومؤتمرات القمة لا بد أن يكون لها هدف وغاية واجبة التحقق فليكن ما تقدم ذكره أهداف وغايات للأمة العربية المجيدة القوية صاحبة العزة والكرامة إن شاء الله والتي ستكون ركنا مهما لنصرة وعزة المسلمين.